مجتمع

مقهى “فيخرة” أشهر مقهى شعبي للشاي المنعنع والقهوة المعطرة بالجديدة

عبد الله غيتومي

تعد مقهى ” فيخرة ” في مدينة الجديدة من اشهر المقاهي الشعبية ليس فقط في عاصمة دكالة ولكن على الصعيد الوطني ، عمرها يربو على 85 سنة ، ولا تزال شامخة في حي الرجيلة تحكي عن مراحل تاريخية متعاقبة ، وعن أجيال عشقت هذا المكان الذي لا تزيد مساحته عن 15 مترا مربع واستهواها الاستمتاع بكؤوس شاي منعنع وقهوة مخلوطة بالقرفة والزنجبيل والمسكة الحرة.

ففي سنة 1935 وفي ظل ظرفية تاريخية مشتعلة بالنضال الوطني ضد الوجود الفرنسي ، اختار المرحوم سي أحمد سرداوي المعروف بفيخرة ، وهذا الإسم ليس لأن إعداد كؤوس الشاي والقهوة ” المنسمة ” كان يتم على ” الفاخر ” وإنما لأن والده المرحوم سي بوشعيب كان يبيع ” الفاخر .
اختار سي أحمد وهو الذي يظهر في الصورة بالطربوش التركي بملامح رجل قادم من الأناضول ، الزاوية التي توجد بها المقهى اليوم ، محلا لنشاطه ” قهوجيا ” اخلص وإلى وفاته في سنة 2000 ، لصنعته التي استطاع بواسطتها أن يأسر أذواق المترددين على المقهى الشعبي الشهير ، إذ كان رواده من المغاربة والجالية اليهودية التي كانت بعدد كبير في مدينة الجديدة .

مقهى فيخرة استطاع أن يتربع على عرش الشهرة امام مقاه معروفة بالجديدة ومنها مقهى الصوردو التي تحولت إلى مختبر التصوير لبنزهة ، ومقهى ولد اللاوية قبالة مسجد بلحمدونية .

لم يكن المقهى يتوفر في بدايته على كراس وطاولات ولكن على حصائر كان يقتنيها المرحوم سيدي أحمد من منطقة أولادترية بجماعة مكرس قرب سيدي إسماعيل .

وكان متشددا في فرض قانون داخلي ينظم علاقة الزبناء بالمقهى ومنها عدم دخول المقهى بأحذيتهم في نظام صارم ليس فيه تساهل ، الذي يرتاد مقهى فيخرة حتما تستهويه طريقة تحضير الشاي والقهوة على ” الزيزوة” وهي إناء نحاسي ” انظر الصورة ” أصله من تركيا سعته 25 لترا من الماء يوضع فوق جمر ملتهب ، وبعد أن يفور الماء يتم إعداد كؤوس الشاي بالنعناع واليازير والسالمية وسكين جبير والحبق ومرددوش ، وهي الأعشاب التي تجعل الإنسان ينتشي بمشروب شاي تستيقظ معه جميع الحواس ، وبالمقهى ذاته تلفحك رائحة القهوة الشعبية المعطرة بالقرفة والزنجبيل وراس الحانوت ، وهي ” الخلطة العجيبة ” التي يتنسمها الزبناء بولع شديد .

والزيزوة التي تظهر في الصورة يزيد عمرها عن 65 سنة كان اقتناها المرحوم سيدي أحمد فيخرة من مراكش ، وهي تحظى بعناية خاصة من حيث الصقل والتنظيف ، ولاتزال محافظة على لمعانها ، حتى ليخيل للناظر إليها أنها صنعت فقط منذ أمد قصير ، وهي بهذا العمر الضارب في تارخ الجديدة ، توأم للزيزوات المنتشرة في أحياء القاهرة العتيقة بمصر ودول الشام .

وأنت تجلس اليوم في مقهى فيخرة لا تتذوق الشاي المنعنع والقهوة المعطرة ، بل تتذوق قصة مكان عريق عمره أزيد من ثمانية عقود بالتمام والكمال هي وبكل تأكيد تحكي عشقا أبديا رسخته المقهى مع روادها ، بل ويستمر بتعاقب السنين.

للمقهى اليوم زبناء أخلصوا لها العهد يأتونها من كل حدب وصوب ، وخاصة من المتقاعدين الذين يتخذونها مكانا للقائهم اليومي المسائي ، للعب أوراق النرد وتبادل نقاشات حول عدد من المواضيع المشتركة .

ومن الزاوية التي يقع فيها المقهى تنتشر كراسي اليوم جاءت لتعوض حصائر الأمس ، ليس فقط بواجهة المقهى ولكن أيضا امام الحديقة المقابلة لها ، ذلك شاهد على أن لها روادها الذين شرب آباؤهم كأس شاي عند فيخرة في الثلاثينات بعشر ريالات ، يشربونه اليوم بستة دراهم ممزوجا بعبق تاريخ مدينة وتقاليد ساكنة لم يتغير فيها الشيء الكثير .

من سنة 1935 إلى اﻵن تقترب المقهى من تسعين سنة ، وتظل بمرور الأيام ذلك العنوان البارز للشاي المنعنع والقهوة المعطرة المنسمان بالتاريخ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي