مجتمع

الهجرة السرية بالمغرب.. مقاربة سوسيولوجية

سفيان الهائلي 

شكلت الهجرة موضوع إهتمام للعديد من الحقول المعرفية لما تطرحه من إشكالات التي تتعلق بالعوامل
المساهمة في بروز هذه الظاهرة الإجتماعية ،وترتبط الهجرة بمجموعة من الدوافع التي تكمن وراء رغبة
الإنسان في الإنتقال من مكان لأخر فقد تكون الهجرة ملجأو ملاذا له لأنه يعيش في مجتمع له بنية لا
تحقق احتياجاته الأساسية سواء من ناحية الإجتماعية ،الإقتصادية ،الثقافية ،السيكولوجية ، وأحيانا
السياسية وبالتالي تدفع المهاجرين إلى التنقل و الإندماج في صيرورة البلد المضيف .فهناك تصنيفات عدة
للهجرة يتعلق الأمر بالتصنيف المرتبط بإرادة الفرد يتجلى في الهجرة الإختيارية ،الإجبارية ،أما التصنيف
الثاني مرتبط بدوام استمرار الهجرة كالهجرة المؤقتة أو الدائمة .

و التصنيف الثالث يتعلق بإنتقال المهاجر
داخل البلد و خارجه ،هنا الحديث عن الهجرة الداخلية التي يقوم بها أبناء الوطن بالتنقل داخل حدود البلد
الواحد و ليس خارجها ،إذا كانت خارجها فنحن بصدد الحديث عن الهجرة الخارجية التي ينتقل فيها الفرد
من وطنه ويخرج من حدوده إلى وطن أو بلد اخر أي الهجرة التي تتم بين إقليمين .فمفهوم الهجرة يرتبط
بالعولمة بفعل التحولات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية التي أصبحت تعرفها المجتمعات .

فالمغرب أصبح عاجزا في خلق وظائف كافية ومدى ضعفه في استثمار الفعال للموارد البشرية وبعض الإختلالات الإقتصادية السياسية جعلت من المغرب لا يحقق التنمية المرجوة فعدم وضع استراتيجيات وغياب الدور التنموي الديناميكي لفائدة العنصر البشري وغياب الحلول للحد من ارتفاع نسب الفقر وتدني مستوى المعيشة في هذا المجتمع سيجعل من ظاهرة البطالة لدى الشباب تتزايد مما ستتفاقم مجموعة من العواقب كنمو الجريمة و التطرف وغيرها . فالبطالة والتهميش بالموازاة مع العامل النفسي و تأثير الأنا بالغير يجعل من المهاجر يرفض بلده الأصلي وحلمه في تحقيق هوية البلد الأوربي المستقبل والبحث عن الذات المفقودة، كل هذه الأحلام تجعل من الشباب المغربي يضحون بأرواحهم ويغامرون في سبيل إكتساب هوية جديدة.

ومن أهم أسباب تخلف المجتمع المغربي وتفكير الشباب في الهجرة نحو الدول الأوربية الأحزاب السياسية، لكون هذه الأحزاب تمهل الشأن الإجتماعي وساهمت في إيقاف عملية النمو و التقدم و التطور بنهجها التقليدي وتوهم المسؤولين بنجاح تدبير الشأن العام لسياستهم الفاشلة لعدم قدرتها على تقديم برامج تتحقق فيها آمال المجتمع، فأحلام الشاب المغربي تتبخر يوم بعد يوم مع كل سياسة حكومية جديدة .لأن التسابق على المناصب السياسية و الإدارية وتكديس الثروات لتحقيق المزيد من المكاسب الإقتصادية.مما جعل المغرب لايحقق التنمية المنشودة ، وبالتالي فإخضاع طبيعة الحياة الاجتماعية و الاقتصادية لمقتضيات القرار السياسي جعل المغرب يفشل في حل المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع .فلا يمكن أن يكون إصلاح و تطوير إلا بتحقيق تنمية سياسية تجعل من المواطن أساس في عملية التنمية الفعالة التي هي أساس الديمقراطية .

فقد اهتم مجموعة من الباحثين و الدارسين في علم الاجتماع القروي والحضري بالخصوص بدراسة الحياة و التفاعلات الإنسانية و التغيرات و المشاكل التي تحدث داخل المجال .

فالمدينة شكلت موضوع الأساس لدى هؤلاء لكونها تتسم بالحركية بفعل عامل الكثافة السكانية العالية، هذا المجال يجب أن يحتوي الى أغلب ضروريات الحياة و المرافق الخدماتية تميز بالتخصص و الارتباط الوظيفي بحيث غالبا ما تطبع هذا المجال سمة الفردانية و التعقيد أكثر منها على مستوى المجال القروي ، لذا في ظل غياب هذه الضروريات وتفكير الشباب في تجاوز قصوره المادي و الانتقال لمرحلة أكثر تقدما تعم فيها الرفاهية، يلجأ هذا المهاجر للهجرة السرية لإيجاد الحلول الإقتصادية للمشاكل العالقة و البحث على تحقيق انسانية الإنسان و الخروج من نفق ماقبل التاريخ .

فظاهرة الهجرة السرية (الحريك) عادت وبقوة في الأونة الاخيرة نظرا لإنسداد الأفق ومحاولة تحسين أوضاعهم، وماحفز الشباب أكثر وأكثر وهي ظهور الزوارق السريعة (زودياك) بمدن الشمال بمساعدتها لتحقيق المهاجر للحلم الأوروبي، فالطريقة التقليدية قد ثم تجاوزها وأصبحت هذه القوارب تستحوذ على معظم الشباب المهاجر هذا لايعني أنها الطريقة الوحيدة لبلوغ هذه المجتمعات، فهناك الشاحنات بحيث تتسم هذه العملية بصعوبتها نظرا لإختباء المهاجرين بهياكل الشاحنة او بالقرب من العجلات أو داخل حقيبة وغيرها مما تتسبب في مخاطر على حياة هذا المهاجر ،أيضا هناك الدراجات المائية أو ما يعرف (بالجيت سكي) وهي الأفضل لدى غالبية المهاجرين نظرا لسرعتها وقلة الخطورة بالمقارنة مع الطرق التقليدية الاخرى ، وحتى من الناحية الأمنية أقل ضبطا من طرف القوات البحرية، وهناك مجموعة من الطرق تختلف حسب تفكير المهاجر في تحقيق هذا الحلم .

وتكمن دوافع الهجرة غير المنظمة في حزمة من العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، إضافة إلى تغير في منظومة القيم الثقافية و الاجتماعية بشكل سمح بتفشي الظاهرة ، وربما تكون مرشحة للزيادة خلال الفترة القادمة ، وذلك في ضوء ازدياد عوامل الدفع لهجرة هؤلاء الشباب بسبب مجموعة من الظروف سواء أكانت اجتماعية ، اقتصادية ، سياسية… كإرتفاع مستويات الفقر و تدهور الأوضاع الاقتصادية ، تفشي ظاهرة البطالة ، و المتمثلة في عدم توافر فرص عمل ، من إحدى نتائج ظاهرة البطالة زيادة حجم الفقر.

أيضا الاقتصاد التي تنهجه هذه الدولة يأزم من الأوضاع الاجتماعية للعديد من العمال مما يستوجب عليهم الهجرة لتحسين ظروفهم الاجتماعية و النفسية.

فهل مايحتاجه اليوم المجتمع المغربي هو إصلاح سياسي أم إقتصادي أم نفسي مجتمعي يقوم على إعادة القيم في ظل مناخ يرفض الإبداع وينبذ الإختلاف؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي