مجتمع

المركز الصحي لجماعة أولاد احسين : خدماته، معيقاته، متطلباته، مستجداته

محمد ازبيري

تكتسي المراكز القروية بالمغرب أهمية مفصلية في تنظيم المجال القروي، لذا أولتها الدولة المغربية اهتمام خاصا منذ الثمانينات من القرن الماضي ، ذلك عبر ترقية مجموعة من التجمعات السكنية إلى مستوى مراكز محددة (centres délimités) ، مما جعلها تستفيد من العديد من فرص التنمية ، و بالتالي فهذا ساهم في التخفيف من حدة الهجرة القروية rural) (Exode ، سواء كان ذلك عن طريق التوافد على هذه المراكز بغرض الاستقرار، أو البقاء بالدواوير المحيطة بها و الاستفادة من الوظائف و الخدمات الموجودة بهذه المراكز الصحية.

ولعل من بين هاته المراكز التي سنتطرق إليها، وهو مركز جماعة أولاد احسين ، وذلك في إطار مواكبة موقع جريدتنا للمراكز المتواجدة بإقليم الجديدة . إن الأهمية التي أعطيت لمركز أولاد احسين منذ نشأته، أكسبته دورا محوريا ضمن محيطه الجغرافي، حيث استطاع أن يستقطب عدد مهما من الأسر النازحة من الدواوير المحيطة به للاستقرار به بدلا من التوجه صوب المدن، هذا فضلا عن دوره فيما يخص الخدمات التي يقدمها لساكنته و للساكنة المستقرة بالدواوير المحيطة به ، سواء كانت هذه الخدمات اقتصادية أو اجتماعية، مما يجعل المحرك الأساسي لمعظم التحركات المحلية التي تتم داخل المنطقة التي ينتمي اليها. غير أنه في المقابل، يشكو من بعض المشاكل، التي تستوجب التدخل لتجاوزها، ذلك حتى يتم الحفاظ على وظيفته التي تعد أساسية لتحقيق التنمية المحلية للمجال الجغرافي الذي ينتمي إليه.

1 – خدماته: للإشارة فجماعة أولاد احسين تبلغ مساحتها 246 كلم مربع، تظم 66 دوار و عدد ساكنته يصل ل 39518 نسمة. و حسب المعطيات التي توصل بها موقع الجريدة من طرف العاملين بالمركز الطبي لأولاد احسين ، فإن المركز قد تم إنشائه في السبعينيات، وتم توسيعه في سنة 2000 ، حيت لا يتوفر سوى على طبيبة مداومة واحدة و ثلاثة ممرضين في غياب تام للمولدات بالمركز. في حين يصل عدد خدماته في الشهر ل 1600 استشارة طبية من أصل 76 دوار تابعة لتقسيم الخريطة الصحية، و 240 فحص للنساء الحوامل و 350 فحوص للكشف المبكر لسرطان الرحم والثدي و 1300 تهم تلقيح الأطفال والنساء الحوامل و استفادة أكثر من 100 شخص يوميا من القسم الخاص بتوزيع الأدوية، و تشخيص ما يزيد عن 40 شخص يوميا بقسم المستعجلات ناهيك عن نسبة ( الحقن……)، بالإضافة إلى قيام المركز الصحي بالحملة الصحية المدرسية لأكثر من 30 مؤسسة أي ما يفوق 1700 تلميذ في السنة. ناهيك عن خدمة المستعجلات بالمركز الصحي ليوم السبت من كل أسبوع و الكم الهائل الذي يلج إليه من الساكنة سواء عن طريق التشخيص أو الحقن، وذلك لتزامنه مع يوم السوق الأسبوعي الوحيد بالجماعة. فكيف يعقل بأن يسير مركز صحي من هذا الحجم و الكم من التشخيصات و الفحوصات و التطبيب و ……. من طرف طبيبة واحدة و ثلاثة ممرضين فقط، مما سيؤثر سلبا لا محالة على مردودية و جودة خدمات المركز الصحي الذي يستقبل عددا لا يستهان به من طرف الساكنة المواطنة.

2 – معيقاته: ومن خلال هذه المعطيات يتضح لنا أن المركز الصحي لأولاد احسين يواجه مجموعة من النواقص و المعيقات خصوصا قلة الموارد البشرية التي تعد أهم العناصر في المنظومة الصحية، غياب الوسائل اللوجستيكية، ضعف البنية التحتية ، قلة الأدوية و الاعتداءات الجسدية و اللفظية التي يواجهها العاملين بها نظرا لغياب الأمن ومشاكل النظافة و الصيانة ، غياب مستوصفات لتخفيف العبء عن المركز، قلة القيام بحملات تحسيسية و توعوية بأهمية التلقيح و التخطيط و بعض الأمراض المعدية ….. .

3 – متطلباته: يبقى المركز الصحي الوحيد غير كاف لتغطية مجموع تراب الجماعة، ومن أجل تحسين المستوى التنموي بهذا المركز، و تعزيز دوره الوظيفي ، تم اقترح بعض التوصيات التي تستهدف تدخلات مستعجلة من طرف المجتمع المدني و الساهرين على الشأن المحلي و المسؤولين عن القطاع ، و هي كالتالي: ֍ ترقية المركز و تأهيله، و إعادة الجهات المعنية النظر في الخريطة الصحية والتي لا تشمل دواوير تابعة لنفوذ تراب الجماعة وتشمل أخرى تابعة لنفوذ جماعات مجاورة. ֍ إضافة الموارد البشرية و توفير الأمن بالمركز . ֍ تجهيز المركز الصحي بالوسائل اللوجيستيكية الضرورية (أجهزة الفحص بالصدى و أجهزة أخرى). ֍ إحداث تجهيزات اجتماعية إضافية، و تحسين أداءات التجهيزات الموجودة ، لاسيما الصحية منها. ֍ فك العزلة عن الدواوير المحيطة بالمركز لتسهيل عملية التنقل، وبالتالي تحسين مستوى الولوجية للتجهيزات و الخدمات الموجودة بهذا المركز. ֍ تحسين الشبكة الطرقية، الرابطة بين تراب جماعة أولاد احسين التي ينتمي إليها المركز و المحيط الخارجي. ֍ القيام بحملات تحسيسية ضد بعض الأمراض المعدية. ֍ التفكير في خلق التعاضديات الصحية المجتمعية. ֍ تجهيز المركز الصحي الوحيد المتواجد بسبت الذويب ، خاصة قاعة الولادات التي تحتاج إلى شروط الإنجاب الصحية ولا سيما في الموارد البشرية و التجهيزات الأساسية و تفعيل أساليب المداومة . ֍ إحداث وتجهيز دار للأمومة لمساعدة النساء الحوامل. ֍ بالإضافة إلى إحداث بعض المستوصفات الصحية وتجهيزها لتقديم الإسعافات الأولية من تلقيح وبرامج تخص صحة الأم والطفل ،بالنسبة للدواوير التي تبعد عن المركز الصحي الوحيد بالجماعة والتي لا تستفيد من خدماته الصحية خاصة في مشيخات المعاشات وأولاد بوراس وأولاد رحمون.

4 – مستجداته : ولعل الخبر المفرح لساكنة أولاد أحسين بمختلف مكوناته و أطيافه، والتي تمني النفس في تحسين جودة و خدمات المركز الصحي بالجماعة ، و هو أن المركز سيعرف تغيرات جذرية آنية، من خلال إعادة هيكلته و تأهيله و تزويده بتجهيزات لوجيستيكية جديدة، ستعود بالنفع على ساكنة أولاد احسين، في إطار توقيع اتفاقية شراكة بين جمعية حسنات و وزارة الصحة و المكتب الشريف للفوسفاط برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة حسناء. حيث تروم هذه الاتفاقية إلى الارتقاء بمستوى الفضاءات الاستشفائية الصحية لتتلاءم مع المعايير الجاري بها العمل، وتحسين مستوى استقبال المرضى وتقديم العلاجات، وإحداث وحدة متخصصة في صحة الأم والطفل، وتخصيص قاعة لورشات التربية والوقاية. لكن يبقى الأهم لإنجاح هذا المشروع، هو توفير العنصر البشري الذي يعد المعادلة الصعبة في توفير الخدمات الأساسية الصحية للمواطن، وتحسين مردودية وجودة المركز الجديد .

كما لا يفوتنا الذكر بأن مجلس جماعة أولاد أحسين لعب دورا محوريا في تحسين وضعية المركز سواء عن طريق بعض الإصلاحات و التوسيعات الجذرية أو عن طريق إبرام اتفاقية شركة مع المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة العمومية بالجديدة من أجل تعويض الخصاص الحاصل في الأطر الصحية بالمركز لفائدة ممرض متقاعد بنفس المركز، و تخصيص مبلغ جزافي في السنة من مالية الجماعة قصد المساعدة في التطبيب و تخفيف العبء عن المركز. وعلى سبيل الختم، يمكن القول بأن أسباب فشل القطاع الصحي بالمغرب ليست كلها مذكورة في ما تطرقنا إليه، بل الأكيد أن هناك أسبابا أخرى يجب أن تسلط عليها الأضواء. ولكن ما نحرص على الإلحاح عليه هو أن إرادة سياسية قوية، فاعلة وحقيقية هي الكفيلة بتحقيق نهضة صحية للمغاربة تجعلهم مطمئنين على أبدانهم لكي يتفرغوا إلى تحقيق التنمية المتوخاة تماشيا مع توجهات المولوية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

ونتصور أن أهم حلقة في مسلسل إصلاح الصحة هي حلقة العنصر البشري، فالذي يُنزل السياسة الصحية التي تنهجها وزارة الصحة على أرض الواقع هو الموظف، الذي هو الوسيط بين الوزارة والمواطن، ولذلك وجب الاهتمام بالعنصر البشري وإيلائه الأهمية والتفكير في حاجياته المادية ومواكبته بالتكوين اللازم والمتطور والمبني على رؤية إستراتيجية وعلمية على أن يشمل كافة الأطر الصحية بما فيها الأطر الإدارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي