مجتمع

أراء ومقالات..المثقف المغربي الواقع والآمال

الكاتب : أمين نصر الله

إن الحديث عن واقع المثقف المغربي هنا والآن، حديث بالغ الأهمية تفرزه مجموعة من التناقضات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، السائرة نحو حتمية الحداثة، ولا يمكن أن يكون هناك أي نوع من التشخيص العلمي لواقع المثقف المغربي دون ربطه جدليا بواقع المثقف العربي والأمازيغي، الذي يتقاطع معه في مجموعة من المجالات، سواء كانت تاريخية أو جغرافية أو لغوية أو دينية أو ثقافية عموما، ويتقاطع معه أيضا في دائرة التموقع الإقتصادي الدولي، بإعتبارهما ينتميان الى حلقة دول العالم الثالث، أو بلغة الإقتصادي المصري سمير أمين، دول المحيط في علاقتها التبعية بدول المركز.
ولعل ما نعيشه من أوضاع مزرية على شتى الأصعدة، يدفعنا بالضرورة لستليط الضوء على هذا المثقف، الذي يأمل من خلاله المجتمع النهوض واللحاق بوكب المجتمعات الديمقراطية المتقدمة.
إن الثقافة هي أرقى ما أنتجه العقل البشري، بإعتبارها نشاطا يفصل بين العمل الذهني عن العمل الجسدي، في إطار سياق تاريخي محدد، قصد إنتقال الإنسان عبر أساليب علمية من وضعية معينة الى وضعية أرقى، يغلب عليها طابع تأطير العلاقات المنظمة بين الناس سواء في المجال السياسي أو الإقتصادي أو الإيديولوجي, ومن خلال هذا التعريف، يتضح أن المثقف ليس منفصلا نهائيا عن مجتمعه ولا عن علاقة الإنسان بالطبيعة، ويعتبر بذلك المثقف أرقى من السياسي, بإعتبار أن المثقف يمهد الأسس النظرية للممارسة السياسية والاقتصادية، إلا أن مانعيشه في بلدنا العزيز، يوحي بعكس ذلك، وهو انسلاخ المثقف عن واقعه المعاش، وتقدم السياسي عليه، حيث يؤطر السياسي لمجال الإنتاج النظري لهذا المثقف، سواء أكان في الروايات أو السينما أو..، الشيء الذي يحيلنا على إشكالية جوهرية طرحها الدكتور المهدي عامل، في اطار بحثه في نفس السياق، هل نعيش أزمة حضارة أم أزمة بورجوازية عربية ؟
فالمثقف المغربي، أصبح واقعه بين المطرقة والسندان، لأنه ينتمي إلى بنية اجتماعية تستمد تشكيلتها من بنية ايديولوجية يهيمن عليها من جهة الإتجاه التبريري للأوضاع السائدة، وأخص بالذكر الإتجاه اللبرالي والإتجاه الرجعي الماضوي، ومن جهة يهيمن عليه طابع الخنوع والخضوع لوصفات العولمة, ومن جهة أخرى يهيمن عليه منتوج المدارس الغربية الحديثة، وأخص بالذكر المدارس التي بدأت في عملية انحدارية، بعدما كانت الثقافة في أوروبا مرتبطة بالمجتمع وهمومه، أصبحت تميل هذه المدارس الى إشكالية الذات ومشاكلها، والفرد وعلاقته مع نفسه، وهذا بدوره اتجاه لا يعكس ارتباط المثقف بمجتمعه.
فلم يرق المثقف المغربي بعد الى الارتباط بمجتمعه، والوعي بالتناقضات التي تعمل داخله، والتي تعمل على إقبار التفكير العقلاني، وعلى تبرير بعض الممارسات، مما يجعل المثقف حبيس نظرة محدودة عن نظرة السياسي، لأن مهام السياسي تنحصر في تحويل المجتمع من مرحلة الى مرحلة أرقى، بينما تشمل مهام المثقف وضع الأسس النظرية لهذا الإنتقال، والتنبيه بسلبياته.
ولعل أكبر هاجس يقف أمام المثقف المغربي هنا والآن، هو الكشف والتصدي لكل الحقن الإيديولوجية التي تدسها الأجهزة الحاكمة، تلك الحقن المحشوة بشعارات مزيفة، بين الأصالة والمعاصرة، تلعب فيه الأصالة أدوارا تضليلة، بما تروج له من ثوابت وسلوكات وطقوس رجعية سياسية أو دينية غايتها إدامة الإستغلال والخضوع والطاعة، والمعاصرة التي تضفي على واقع اليوم صورا تجميلية تخفي طابعه التبعي الوحشي نحو قطع الطريق أمام الوصول الى دولة الحداثة.
فحاجتنا للمثقف العضوي، الملتسق بهموم مجتمعه، والذي تكون منطلقات ابداعاته من لب الواقع، هي حاجة ضرورية، للوصول الى الحداثة والديمقراطية، التي هي بالضرورة خيار اجتماعي تتطلبه المرحلة التاريخية والحاجة الموضوعية، للخروج من مأزق الفشل السياسي، ولبناء الدولة الوطنية الديمقراطية وتحقيق أسس التحول الإجتماعي، وحل مشاكل التعصب والتخلف وما يتمخض عنها من نتائج وخيمة، لأن كل ما نجنيه الآن من مصائب كانت بسبب محاربة قيم الحداثة والعقلانية.
فالمثقف الحقيقي هو ضمير عصره في كل زمن منوط بوقائع معينة.
25/01/2017
…………………………………..
المراجع
في التخلف : سمير أمين
دراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركات التحرر الوطني: المهدي عامل
مقال المثقف المغربي ومهمة التغيير: اليزيد البركة
المثقف العضوي كراسات السجن : أنطونيو غرامشي
صراع الحداثة والتقليد: فريد لمريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي