مجتمع

الدكالية فاطنة بنت الحسين … رائدة فن الغناء الشعبي “العيطة”

بقلم حسن فاتح

تعتبر الفنانة فاطنة بنت الحسين من رواد فن العيطة، بعدما خلقت لنفسها نمطا خاصا بها يمتح من محيطها الشعبي، الذي تأسس على الصدق في التعامل وعلى البساطة في الأداء، ظلت تقود مجموعة شعبية طيلة أربعين سنة خلت، مخلفة تراثا شعبيا يتوزع على أكثر من مائة أغنية، نجد على رأسها “هذاك احبيبي”، التي اشتهرت بها وأصبحت من مقدمات أغانيها التي تفتتح بها حفلاتها وأعراسها، بالإضافة إلى أغنيتها المفضلة صحبة أولاد بن اعكيدة، “مولاي عبد الله الوالي راحنا جينا نزوروك”، وأغاني أخرى مستوحاة من المعيش اليومي ومن التراث الديني، مثل “بين الجمعة والثلاث” في إشارة لجمعة بني هلال ولثلاثاء سيدي بنور، واغنية “عيسى بن عمر كال كلام” و”ركوب الخيل” و”مولاي الطاهر را انت والي”.


رأت الفنانة فاطنة بنت الحسين النور في سنة 1935 بسيدي بنور، بهذا الوسط القروي شبت وترعرت، وعانت كثيرا وسط عائلة تغيب عنها الام المتوفاة، تحكي فاطنة بنت الحسين عن طفولتها بانها كانت شقية، طائشة ومتهورة، عاشت تحت ضغط العائلة خاصة من طرف الاخت الكبيرة، وتقول الأخت عن فاطنة بأنها كانت تملك نصيبا من الجمال ومفتونة به، عشقت الفن منذ الصغر، فوالدها كان فنانا كذلك، كان يعزف رحمه الله على “الكمانجة” خلال الحفلات العائلية.


انبهرت فاطنة بنت الحسين بالشيخة “الغالية” التي زارت سيدي بنور لمدة ثمانية أيام، وكانت تصول وتجول تلك الفنانة بسيارتها الفارهة ولباسها التقليدي الجميل، فانجدبت لشكلها، وبدأت تقلدها وهي طفلة أمام المرآة باللباس والتجميل، خلسة من العائلة التي كانت تشبعها ضربا عند كل مرة فعلت ذلك، لتعتزم الرحيل عن سيدي بنور نحو الجديدة، ثم تعيش بعد ذلك تجربة الطلاق من شخصية معروفة بالمنطقة.


انخرطت فاطنة بنت الحسين في الغناء وهي لا تزال شابة يافعة مثلها مثل باقي قريناتها، تفتحت عبقريتها على النصوص التراثية البدوية، التي كانت تغنى في بادية دكالة خلال المواسم والأعراس في نهاية الموسم الفلاحي، ولما علمت أنها منساقة ومنجذبة إلى الغناء الشعبي، انتقلت إلى اليوسفية في بداية مسارها من أجل احتراف “فن العيطة”، وأمنيتها ان تصبح مثل قدوتها “الشيخة الغالية”، رغم أن عائلتها كانت تمانع في ذلك جملة وتفصيلا.

 
انضمت الشيخة فاطنة بنت الحسين الى فرقة “الشيخ المحجوب” وزوجته “الشيخة خدوج العبدية”، وارتوت فاطنة من “الماية” العبدية والإيقاع المسفيوي، الذي كان “الشيخ الدعباجي” من أهم رواده، وارتوت كذلك من تيمات “الحصبة”، خاصة “خربوشة”، والمرساوي و”الشاليني” وعيوط شاوية وحوزية، كما اشتغلت المرحومة بنت الحسين مع العديد من فناني العيطة، واعتبرت إلى جانب “الصاحب بلمعطي” و”الشيخ جلول والزياني” من أهم رواد الأغنية الشعبية.
ظلت الشيخة فاطنة بنت الحسين بمنطقة عبدة قريبة من المنبع إلى أن غيرت وجهتها والتحقت بفرقة أولاد بن عكيدة، وقال الباحث المتخصص في التراث الاستاذ “حسن نجمي” في هذا الالتحاق، بأن فاطنة بنت الحسين عثرت في مجموعة أولاد بن اعكيدة على أسرتها الفنية الحقيقية الثانية، وسجلت معهم أكثر من مائتي أغنية، سواء من قصائد وبراول العيطة أو من الأغاني الشعبية، ولم تبتعد عن المجموعة إلا بعد أن تقدمت في السن وتعب الجسد والصوت.
اشتهرت الفنانة فاطنة بنت الحسين وداع صيتها واصبحت نجمة المواسم كموسم مولاي عبد الله امغار، الذي يعد اكبر موسم في المغرب، لتصل شهرتها الى خارج المغرب فقطعت البحار من اجل إحياء حفلات خاصة بالجالية المغربية في اوربا ، اما الحفلات التي كانت تنظمها تحت اشراف السلطات وفي الاعياد الوطنية فقد كانت تعاني مثلها مثل باقي الفنانات من تعب وإهمال وتهميش امام باقي الفنانين.
كانت فاطنة بنت الحسين ذات شخصية قوية و”رجالية” كما يصفها البعض، تملك من الهيبة والأناقة ما يجعلها تحضى باحترام الجميع، بعيدا عن النظرة الدونية للشيخات.
قررت الحاجة فاطنة بنت الحسين الاعتزال بعد عودتها من الديار المقدسة، توفاها الله يوم الاربعاء 6 ابريل 2005.
رحم الله الفقيدة وغفر لها وأسكنها فسيح جناته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي