اخبار محلية

الجديدة في زمن أجسام البغال وعقول الحمير… لا العصافير

“بقلم حسن فاتح”

حينما يمر المرء مضطرا، مسافرا أو سائحا، من شمال المغرب إلى جنوبه، ويعرج بسيارته او بالحافلة التي تقله نحو مدينة الجديدة، والتي طالما سمع عن بطولات رجالاتها في الكتب التاريخية، أو صادفت عيناه جمالها الخلاب في صور المجلات السياحية او البطاقات البريدية، من شواطئ ومآثر ومواسم وفلاحة وفروسية، فإنه حتما سيقرر المقام بها بضعة أيام قصد السياحة والترفيه والتبضع، وسيحتفظ عند مغادرته لها بذكريات جميلة، ستكوّن لديه لا محالة نقطة جدب وحنين عند كل موسم.

يعد ما سبق ذكره حكم عابر سبيل أو سائح ولهان لمدينة ساحلية كالجديدة، اما ابنائها وقاطنوها فيصطدمون يوميا، صباح مساء، بواقع مر كطعم العلقم، يوجع القلب الذي يموت عشقا في المدينة، ويمزق شرايين العقل غيضا حدّ الجنون، ليضطر المرء بسبب ذلك أن يكون قاسيا على مدينته وعلى من يتحملون سوء التسيير، وحتى على سكانها الذين يزيدون بسلوكاتهم اللاحضرية في الطين بلة، خاصة حينما  يكتشف المرء العديد من الظواهر والمظاهر الشاذة التي أدرجت المدينة ضمن خانة المراكز القروية، وصنفت ساكنتها ضمن بدو الجاهلية.

ما عساك أيها الجديدي فاعل أو قائل حينما تكتشف او تصطدم بواقع أسود وأمر من ما سأسرده أو سأقصه عليك:

ماذا تقول حينما تمر بين أزقة وأروقة المدينة فتصدمك روائح كريهة ونتنة، تزكم النفوس حدّ القيء، وعلى جدرانها كتبت عبارات التخلف “ممنوع البول” بزنقة “موليير” أو ممنوع رمي الأزبال “بزنقة “كاربوزان” على سبيل المثال …؟ او حينما تجد أكواما من القادورات متراكمة عند زاوية كل درب، وأسراب القطط تقتات منها، و قطيع من الكلاب الضالة تقطع الشوارع عصابات زرعت الرعب في نفوس المواطنين…؟

وماذا ستحكي لضيوفك أيها الجديدي حينما تجد قطيعا من الحمير او البغال او الأغنام او الأبقار تتجول بين أرقى الأحياء بالمدينة …؟ أو حينما تجد بعض الساكنة مازالوا يحتفظون بسلوكات قروية كتربية الدواجن والحمام والأرانب فوق الأسطح، وحتى بعض المواشي وسط الأحياء السكنية، او قيام النساء بالأشغال المنزلية في الهواء الطلق  وسط الأحياء بدون حياء…؟

وماذا أنت فاعل حينما تجد مشاريع المدينة من صيانة او ترميم البنيات التحتية تمشي بسرعة “حمارة عرجاء” ومشاريع المدن الأخرى تسير بسرعة صاروخ، بينما يبقى المواطن يمارس رياضة التعرج بسيارته او بدراجته خوفا من الحفر…؟ او حينما تعجز البنيات التحتية لمدينة الجديدة عن تصريف مياه الامطار كل موسم فتختنق بالوعاتها لتغرق المدينة في فضلاتها البشرية وكأننا نعيش في عهود القرون الوسطى …؟

وماذا ستكون ردة فعلك حينما يصادق مسؤولو المدينة على “خردات” هياكل الحافلات والسيارات على اعتبار أنها أحدث وسائل النقل بالمدينة، لتزيد بذلك من تدهور المنظر العام من سوء الى أسوأ …؟ او حينما يصير حلاق الحومة مستشارا خاصا لمسؤول كبير بالمدينة، يتوسط ويناقش ويبدي الرأي في كل كبيرة وصغيرة، فهل سننتظر سقوط الصومعة بالجديدة حتى يعلق “الحجّام” …؟

وما هي انفعالاتك ايها الجديدي الحر حينما يباع تاريخ مدينتك العريق على يد من جعلتهم أنت عليك مسؤولين في مجلس المدينة أو ممثلين لك في مجلس الشعب، وتواطؤوا مع الغير لحذف اسم “الجديدة” من التقسيم الجهوي الجديد …؟ او حينما يحّول أو يوزع او يفوّت مسؤولون رفيعو المستوى مساحات من مآثر المدينة المدرجة ضمن التراث العالمي الى مشاريع خاصة كفنادق او دور للضيافة او حتى أسواق للقرب كما حدث بالحي البرتغالي …؟

وماذا أنت مدبّر حينما تسمع أن أبناء مدينتك، يتكاثرون بسبب البطالة في المقاهي خلال أوقات العمل، ويتحولون الى شريحة من الكائنات الغريبة، يتاجرون ويسمسرون في كل شيء، في البشر وفي الحجر وفي شواهد الزور …؟ أو حينما يحوّل النازحون القرويون أزقة المدينة وأرصفتها الى أسواق و”فرّاشات” ومقاهي شعبية عشوائية ك”شوايات السردين” وبائعو التين… بتواطؤ مع السلطات المحلية …؟

هل تعلم ايها الجديدي أن أغلب الوعاءات العقارية وأجودها بمدينتك استحودت  عليها “دينصورات العقار” بتسهيل من السلطات المحلية ليتم تفويتها بأثمنة تناسب الوافدين الجدد، بينما سكان المدينة القدامى يرزخون تحت رحمة المضاربات العقارية، ويكتوون بأثمنة خيالية، وفي المقابل ينتشر السكن العشوائي والمتستر كانتشار الفطر و”التآليل” بجسم الانسان، فأصبحت المدينة الآن “محزّمة” بحزام من الفقر والجهل والإجرام،  قابل للانفجار في أي لحظة …؟

وهل أنت راض أيها المتحضر حينما يكثر جشع بعض الساكنة ويعرضون شققهم للكراء عبر التلويح بالمفاتيح عند مدخل المدينة بدون تمييز بين الصالح والطالح …؟ أو حينما يمرغ بعض المحسوبين على سكان الجديدة سمعتها في الوحل ويسمحون بان تباح حرمات منازلهم لبعض الاشخاص من أجل قضاء وطرهم ومسخهم في الليالي الحمراء، أليس هذا من أردل السلوكات وأوطئها …؟

وما هي ردة فعلك حينما ينتشر الحمقى والمجانين عراة حفاة وسط المدينة وفي وضعيات تستفز وتؤزم النفوس، يقتاتون من المزابل بفعل الإهمال الذاتي اللاإرادي …؟ او حينما تمارس السلطات سياسة إغماض العين حول ظاهرة الاجرام، فكم من هارب للعدالة او مبحوث عنه يجد ضالته في هذه الفوضى سواء لتقمص دور الأحمق او الأبله من أجل التستر عن جريمته في غياب سياسة إثبات الهوية …؟

وماذا تظن في أشباه الصحافة والأقلام المأجورة الذين يتمسحون في تلابيب أسيادهم من أجل دريهمات وإكراميات مقابل تجميل واقع متسخ وأسود للمدينة، ومن أجل تنويم مدمني أخبار “الفضاء الازرق”…؟، وماذا تقول عن ممثلي المجتمع المدني في الجمعيات وإتقانهم للأدوار المنوطة بهم من قبل المسؤولين مقابل إحياء حفلات الشاي والندوات الجوفاء، لذر الرماد في العيون وتجميل وجه المسؤول بالمساحيق في صفحاتهم وجرائدهم …؟

أمامكم الآن أيها الجديديون إشكالية كبرى، موجهة لكم لا لغيركم، كفى من دفن الرؤوس في الرمال كالنعام، وإذا ما رضيتم بالذل والهوان، ادفنوا أجسادكم كاملة في التراب، لكن القبور والمراقد بالجديدة قد شحت، فقد كتب عليكم أن تولدوا هنا وتدفنوا في مقابر مدن أخرى، خوفا من أن تدفنوا فوق الموتى بمقابر المدينة.

كل من كان وراء هذا الوضع المتردي للمدينة، وكان سببا في تخلفها وتخريبها وترييفها، سواء كان مسؤولا او منتخبا او مواطنا، ليحق في قولهم ” أجسام البغال وعقول الحمير” … لا العصافير.

هذا فيض من غيض، ولا داعي لذكر ما لا يجب أن يذكر، إنكم تلعنون الفساد وتتملقون للمفسدين 

  اتقوا الله في هذه المدينة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي