مجتمع

موسم مولاي عبد الله أمغار.. عطلة الفلاح وعرس المغاربة الكبير

أسامة طبيقي -الجديدة إكسبريس

إذا كان الصيف في ذاكرة المغاربة مرادفاً للفرح، فإن موسم مولاي عبد الله أمغار هو قمّة هذا الفرح، وهو الموعد الذي ينتظره الفلاحون والفرسان والزوار من سنة إلى أخرى، لا كحدث عابر، بل كـ “عطلة الفلاح” التي تحمل معها رائحة الأرض والبارود وأصوات الخيل وهي تصهل في محرك التبوريدة.

منذ الأيام الأولى لافتتاح موسم 2025، تحولت جماعة مولاي عبد الله إلى مدينة مصغّرة لا تنام، تضج بالزوار من جميع المدن المغربية، ومن دول عربية وأجنبية، جاءوا ليشهدوا لوحة فنية حيّة تمزج بين التاريخ والتراث والتجارة والفرجة.

اقتصاد موسمي بالملايير وأجواء لا مثيل لها

فقط في تلك الأيام القليلة التي يُقام فيها الموسم، تدور عجلة اقتصاد ضخم تُقدّر معاملاته بملايير السنتيمات، هنا، يلتقي الباعة الصغار والتجار الكبار، من بائعي “الشفنج” والشاي المهيأ على الفحم أمام الخيم الصغيرة، إلى أصحاب الخيم الكبيرة المخصصة للأكلات التقليدية، الى النساء اللواتي يقدمن الخبز والمسمن والطاجين للزوار.

“الموسم هو رزق العام” كما يقول أحد أصحاب الخيل، الذي جاء من نواحي سيدي بنور ليشارك مع صربته في عروض التبوريدة : “هنا نتلاقاو مع خوتنا الخيالة من جميع المدن، ناكلو، نشربو، نضحكو، وكأننا عائلة وحدة كبيرة.”

قرارات جريئة ورؤية استراتيجية جديدة

هذه السنة، جاء الموسم برؤية تنظيمية جديدة قلبت الموازين، أبرزها نقل منصة السهرات إلى مدخل الموسم، حيث كان هناك تخوف كبير في البداية من أن تؤثر هذه الخطوة على الإقبال، لكن النتيجة جاءت مبهرة، الحركة الاقتصادية لم تعد متمركزة في فضاء واحد، بل توزعت على كل ركن من أركان الموسم.

صار الزائر يمر من منصات السهرات، ثم يعرّج على فضاء الألعاب، ثم يزور الضريح، ويشتري من الباعة المتجولين، ويتوقف أمام الخيام التي تعج بالحياة، الباعة الموسميون أكدوا أن هذه الخطوة “حيّدات الاحتكار وخلاّت كلشي خدام”، حيث استفاد كل من كان في محيط الموسم، سواء بجانب منصة السهرات أو وسط السوق أو عند فضاء الفروسية.

الأمن.. يقظة وحزم

لم تكن هذه الأجواء المبهجة لتكتمل لولا الحضور الأمني القوي والمنظم. تعزيزات كبيرة من الدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية، مدعومة بالسلطات المحلية والإقليمية، جعلت الزائر يشعر بالأمان في كل لحظة. تدخلات يومية سريعة وحاسمة أوقفت أي محاولة لإفساد أجواء الموسم، ما ساهم في بقاء الاحتفال نظيفاً وهادئاً.

شهادات من قلب الخيمة

داخل الخيام، تختفي المسافات بين الناس. أنت ضيف في أي خيمة تدخلها، سواء تعرفت على أهلها أو لا. تُمد لك كؤوس الشاي بالنعناع، وتُدعى لتقاسم وجبة كسكس أو طاجين، والضحكات ترتفع من كل صوب. أحد رواد الموسم من الدار البيضاء يقول مبتسماً: “هنا ما كاين لا براني لا ولد البلاد، كلنا حباب، اللي دخل خيمة كيرجع بحال واحد من العائلة.”

تنظيم بروح احترافية

الشركة المنظمة “فيلات” أثبتت للسنة الثانية على التوالي أنها تعرف كيف تدير حدثاً بهذا الحجم، من خلال الطاقم الذي يسهر على الإصغاء لكل فكرة واقتراح، وتحويل الأفكار الإيجابية إلى واقع. ولعل أجمل ما في هذه الدورة هو أن الموسم لم يعد فقط عرضاً للفروسية أو منصة للسهرات، بل أصبح فضاء متكامل يجمع التجارة، الترفيه، السياحة، والتواصل الإنساني.

موسم لا يشبه إلا نفسه

موسم مولاي عبد الله أمغار ليس مجرد مناسبة ثقافية أو اقتصادية، بل هو حدث وطني يحمل ذاكرة أمة، ويعيد شحن روح الانتماء، ويثبت أن التراث المغربي مازال ينبض بالحياة. هو مساحة التقاء للأجيال، وجسر بين الماضي والحاضر، حيث تمتزج رائحة البارود مع موسيقى الفلكلور، وضحكات الأطفال مع حماس الفرسان.

هذه ليست مجرد عطلة للفلاح، بل عيد للمغاربة جميعاً، يتركون فيه هموم الحياة اليومية على أعتاب الخيمة، ليلتقوا كعائلة واحدة، يأكلون، يضحكون، ويتذكرون أن المغرب، بثقافته وتراثه وتنوعه، يظل دائماً أجمل حين يكون أبناؤه مجتمعين حول قيم المحبة والكرم والأصالة.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي