تربويات

تساؤلات حول البحث العلمي بالجامعة المغربیة

المهدي بسطيلي – طالب باحث سلك الماستر

” إذا أجمعنا أن الجامعة المغربیة ھي المنتج الرئیسي للبحث العلمي، فإن واقع الجامعة المغربیة یعكس بشكل ضمني واقع البحث العلمي بالمغرب ”

كشف التقریر الأخیر الصادر عن مؤسسة “webmetrics” عن ترتیب الجامعات المغربیة عبر العالم ،وقد صنف ھذا الأخیر جامعة محمد الخامس بالرباط بالمرتبة الأولى وطنیا من حیث الإنتاجات العلمیة ،لكن الخبر الصادم أن ھذه الأخیرة احتلت المرتبة 205 عالمیا في حین احتلت كل من جامعة القاضي عیاض وجامعة سیدي محمد ابن عبد ﷲ الرتبة250، من حیث الترتیب العالم،أما باقي الجامعات المغربیة الأخرى فھي خارج التصنیف، وھي نفس النتائج التي أعلنت عنھا مجلة تایمز للتعلیم العالي بالأسبوع الماضي،وقد اعتمد ھذا التقریر على أربع معاییر وھي :
الحضور العلمي في الفضاء الافتراضي النشر العلمي الأكادیمي التأثیر العلمي للجامعة التمیز العلمي
“فإذا كانت جامعاتنا تفتقد إلى ھذه المعاییر فإنھا طامة كبرى”

إن ھذه المعطیات الصادمة تحیل ضمنیا على التساؤل المشروع عن أسباب ھذا الواقع المزري وھذا العقم المعرفي الذي تعیشھ الجامعة المغربیة و البحث العلمي عموما،تساؤلات عدیدة ومداخل كثیرة تحیل على عنصر من عناصر الخلل لكني سأتحدث عن دور كل من الجامعة و الأستاذ الجامعي و الطالب على حد سواء في تكریس ھذا الوضع المزري.

یكفي أن نتأمل بكل عفویة صورة الجامعة المغربیة من خلال تمثلات خریجیھا أولا، وسوق الشغل ثانیا،ھل تحقق ھذه الأخیرة الاندماج مع سوق الشغل؟وماھي قیمة الشھادات التي تمنحھا؟حتى تعلم أنھا تنتج حاملي شھادات ولیس حاملي تكاوین رصینة تمكنھم أولا من تحقیق الاندماج وسوق الشغل وبلورة ھذا التكوین على أرض الواقع،لم نعد نحس بتلك الرقابة العلمیة والحرص على إنتاج المعرفة،كل سنة یضع الطلبة مئات البحوث الجامعیة ترمیھا الجامعة في رفوف یعشش علیھا الغبار، حتى ینتج غیرھا وترمى في المزبلة،الحقیقة لم ترمى البحوث وحدھا، بل كل القیم التي أسس علیھا الحرم الجامعي.


أطلقت الوزارة الوصیة على قطاع التعلیم العالي تكوین الاجازة في علوم التدریس عني أن خلال سنتین سیستقطب قطاع التعلیم لسد حاجیاتھ أطر حاملة لھده الشواھد،إنھ في الحقیقة شيء مفرح أن تتوفر لنا أطر مكونة في المجال،لكن السؤال المطروح ما مصیر حاملي الإجازة في باقي التخصصات بعدما كان التعلیم حلم یحرك الطالب من اللحظة التي یلج فیھا الجامعة؟وھو لشيء یزرع الیأس في الحقیقة،ویسائل المنظومة التعلیمة ككل و الغریب أننا لم نكتفي بتكسیر صورة المعلم و الأستاذ عن طریق التعاقد فقط،فھذه السیاسة الفاشلة طالت الجامعة وأصًبح أساتذتنا طلبة في سلك الدكتوراه،كل ذلك لأن الجامعة تخشى من خلق مناصب جدیدة،إن الأمر واضح اذن لم تعد جامعاتنا تتقصى إنتاج فاعلین في المجال ولم یعد ھدفھا إنتاج نخبة تحلل وتناقش وتنتقد…


كتب الكثیرون من منابر إعلامیة متعددة عن كوارث طالت الحرم الجامعي وأبطالھا أساتذة جامعیین كثیرة ھي الروایات حتى أنھا تكاد لا تحصى من بائع الماستر إلى سارق المونطو،وبائع النقط…


كلھا روایات نقلتھا وسائل الاعلام وضجت بھا صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت كاشفة اللثام عن جوع یتملكنا في التلذذ بھذه الفضائح و السخریة على نموذج الانسان المثقف بھذا المجتمع البئیس، فترتب عن ذلك تمزیق عشوائي لنموذج الأستاذ الجامعي الذي كنا نسمع عنھ في طفولتنا بشغف، ونضعھ كنموذج مثال وكان رمزا للتحرر من سلطة الجھل المجتمعي المحكوم بعامیتنا البسیطة.لكن مذا حدث؟


إن كل شيء یحدث داخل السیاق مدام ھذا السیاق وحده الكفیل بإنتاج المعنى، كیف تصبح الجامعة وكرا للدعارة؟ویصبح الأستاذ فیھا زبونا برأس مال باذخ ھو النقط، والتحكم في مصیر طلبتھ كیف لایستطیع ھذا النموذج الذي أرھقنا في المدرجات بالحدیث عن القیم و الأخلاق و الشرف العلمي و المھني أن لا یلتزم بھا؟ كیف یستطیع أن یخلق فرصا أكادیمیة حسب ھواه من أجل رد الجمیل أو أخد المقابل المادي؟ كیف یستطیع أن یجعل الجامعة مجالا للتعبیر عن إیدیولوجیاتھ السیاسیة الخاصة والترویج لھا ویجعلھا عتبات الانتقاء في سلك الماستر ؟ كیف سمح لنا ھذا الأستاذ أن نغیر نظرتنا إلیھ كیف؟


إن واقع التعلیم الجامعي بالمغرب یمكن نعتھ بالواقع البئیس وما بناه رجالات الجامعة في التسعینات یحتضر الیوم،یعاني من قصور الإنتاج العلمي بل حتى ذلك الإنتاج الأخلاقي بتنا نفتقده.وافتقدنا معھ الذین اختاروا التخلي عن الممارسة السیاسیة احتراما لأخلاقیات العلم التي تقتضي تغییب الإیدیولوجیات السیاسیة، ودافعو وعبرو عن مواقفھم لفائدة المجتمع رغم التقیید الذي أحیط بھم، وأصبحنا أمام میوعة حقیقیة وألم كبیر لا یضمظ جرحنا فیھ إلا بعض النماذج القلیلة،و التي اختارت للأسف أن تبتعد عن الساحة حتى لا یختلط الحابل بالنابل .


كنت قد سألت أحد أساتذتي خلال جلسة نقاش جمعتنا،عن أھلیة الأستاذ الجامعي وعن شروط الالتحاق بھذا المنصب، فعبر الرجل عن موقفھ وقال لي بالحرف” نحن في حاجة لخلق مؤسسات تكوین للأستاذة الجامعیین، لكن یبقى السؤال المطروح كیف ستكون ھذه الأطر المكونة ؟وھل سیقبل أستاذ جامعي آن یكونھ زمیل لھ؟”


مسألة أخرى لابد آن نشیر إلیھا حتى لا نكون مجحفین لشخص الأستاذ ،لابد أن نعلم أن ھذا النموذج یظل فردا مغربیا ونتاج ھذا المجتمع ومدام ھذا النسق لم یستطیع إلى الیوم أن یحسم في تحقیق لحظة انتقالیة، یضع فیھا القطیعة مع مختلف أشكال التقلید العمیاء على رأسھا النمط القبلي ،ھو نفسھ الأمر الذي یحدث في جامعاتنا للأسف اتحادیات وقسمات شكلھا أساتذتنا في الجامعة وكأننا أمام طوائف فكریة تثیر السخریة حقا. حینما یصبح لكل أستاذ أتباعھ من الطلبة أمام منطق الشیخ و المرید یطلق بعضھم في الساحة الجامعیة من أجل تحقیق بسیط وغایات في نفسھ، ویعاقب بعضھم لمجرد حبھم لأستاذ تجمعھ بھ علاقة متشنجة أو یعاقب أحد طلبتھ لمجرد تعبیره عن مواقفھ داخل الساحة الجامعیة.نعم أستطیع أن أقولھا بكل وقاحة في الجامعات عصابات شكلھا أساتذتنا للآسف.
لا یمكن لأحد أن یقنعني اللحظة أن المختبرات التي نسمع عنھا تفتح بین الفینة و الأخرى بدواعي علمیة محضة،كما الحال عن الماسترات التي لم یعد یختلف فیھا غیر الاسم فقط لأن الأستاذ یرغب بالترقیة ولایھمھ مستوى التكوین ولا یكترث لمصیر ھذه الشھادة الجامعیة.

ماھي درجات الإنتاج العلمي لأستاذتنا ؟ لمذا ھذا الاجترار منذ سنوات لمواضیع غدت مستھلكة.یبدو أن الأمر یكشف عن سبب ھذا الترتیب المخجل للجامعة المغربیة .لكن ھل یكون الأستاذ وحده المسؤول؟

وھو نفسھ السؤال المطروح أي طالب تضم جامعاتنا الیوم؟ ذلك الطالب الذي اختار وضع قدم في التكوین المھني وقدم في مقصف الجامعة حتى یقنع نفسھ أنھ من النخبة التي تلج الجامعة،لیعیش التشرذم بین القیم و المبادئ للأسف،أم عن الذین اختاروا التسجیل على سبیل اختبار قدراتھم من أجل قیمة مالیة تسمى المنحة،ھو واقع للأسف مخجل لنا جمیعا وكلنا شركاء في خلقھ.

ھي بعض السلوكات التي رصدناھا جمیعا نعبر عنھا اللحظة بطریقتنا الخاصة، لنوجھ من خلالھا تساؤلات للرأي العام، في وقت أصبح الجامعات بالدول الأوروبیة منظومة الكترونیة تحت على الانتاج العلمي و المعرفي، أما جامعاتنا للأسف لازالت تتخبط في مشاكل تافھة.یحكمھا قانون الخضوع للنسق وانعكست الدلالة في المعنى من جامعة تنتج من أجل تغیر الواقع الى جامعة ترعى الواقع بكل فخر…
یتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي