مجتمع

ذاكرة مدينة الجديدة…فرقة “ماجوريت” لحظات من الزمن الجميل لهذه المدينة

ذ.عبد الله غيتومي
أواصل، بإلحاح كبير من القراء، استحضار لحظات من الزمن الجميل لهذه المدينة، التي راكمت من التجارب الشيء الكثير، ولسان حالها يردد مع الشاعر” تلك آثارنا تدل علينا ـ فانظروا بعدنا إلى الآثار”.

كانت الجديدة قبل 45 سنة من الآن تتوفر على فرقة استعراضية يطلق عليها اسم فرقة “ماجوريت” مكونة من ذكور وإناث يرتدون بذلة موحدة بلون أحمر وأبيض وقبعات بيضاء ونياشين شبيهة بالنياشين العسكرية، فالذكور من الفرقة يرتدون سراويل بيضاء ، والإناث يرتدين “ميني جيب” بيضاء والأقمصة كانت موحدة باللون الأحمر الميال إلى العكري.

فرقة ماجوريت ذات الأصول الفرنسية هي فرقة كانت في العديد من بلدان أوروبا وفي الولايات المتحدة ومازالت تتقدم المباريات الرياضية والاستعراضات. وكانت الجديدة أول مدينة مغربية تكونت بها هذه الفرقة، على يد فرنسيين ونبلاء من المدينة، ومنهم سيدة ‘فرنسية تدعى “كوليت بوكليزي” زوجة “الموسيو روبير” التي مازالت تدير حانتها إلى حد الآن بقلب مدينة الجديدة.

وتذكر المصادر أن شروط الانضمام إلى الفرقة، كانت شبيهة إلى الانضمام إلى سلك الجندية، ومن تلك الشروط قوام ممشوط وبنية رياضية مثيرة، وكانت لجنة انتقاء تزور مؤسسات تعليمية وفي مقدمتها ثانوية ابن خلدون التي بنيت سنة 1925 وهي توأم لثانوية مولاي يوسف بالرباط ، تزورها لتختار الأجدر بالالتحاق بتداريب مضنية بملعب ثانوية ابن خلدون الذي كان أول ملعب لكرة القدم بالمدينة قبل ملعب العبدي ، وكان جزء من تداريب “الماجوريت” يتم بقاعة الحفلات نجيب النعامي التي هي أول قاعة مغطاة بالمغرب.

هذه الفرقة هي التي كانت تتصدر الاحتفالات الرسمية والاستعراضات الكبرى بالمدينة ، وفي مقدمتها احتفالات عيد الشباب التي تتم عادة في 9 يوليوز من كل سنة ، وكان أفراد الماجوريت يؤدون حركات منضبطة يحكمها انسجام وتناغم  كبيرين  شبيهة بالحركات العسكرية ، على وقع نغمات فرقة موسيقية نحاسية بلباس موحد كانت تابعة إلى البلدية يطلق عليها سكان الجديدة فرقة 55 .

وأذكر أن فرقة “الماجوريت” كان يقودها نعيم وهو أستاذ للتربية البدنية، وهو شاب كان يفيض حيوية مفتول العضلات قويها، كان نموذجا في كمال الأجسام بهذه المدينة ، وهو الذي يظهر في الصورة، مرتديا الزي الأبيض ويتقدم فرقة “الماجوريت” في استعراض سنة 1970 بشارع الجامعة العربية سابقا محمد السادس حاليا ، وبعدها بسنة أي في 1971 لم يكتب لهذه الفرقة أن تستعرض بسبب انقلاب الصخيرات إذ كانت جميع احتفالات عيد الشباب ألغيت .

كانت كل المدينة في أعياد العرش و الشباب وكل المناسبات الرسمية ، تتملى بطلعة نعيم الفتى الذي يجسد بجسده المفتول العضلات صورة شباب المدينة الذي لم يكن ذلك الوقت ضحية مخدرات وحبوب هلوسة ولصاق عجلات .

ومثلما شغل نعيم ساكنة المدينة وهو يقود “الماجوريت”، شغلها بنهايته الحزينة حين زج به في سجن “الصوار” الذي كان يوجد بالملاح قبل نقله إلى سيدي موسى ، لما ألقي عليه القبض في مقهى بوسط المدينة بتهمة المس بالمقدسات، وفي السجن حقنوه بعقاقير مسكنة ولما أفرج عنه خرج معتوها شاردا لتكون نهايته ميتا بعد أن صدمته سيارة مجهولة.

ومازلنا نذكر أن المرحوم الأستاذ التباري بلقيفة كان هو الآخر يتولى تدريب فرقة “الماجوريت” وتهييئها للمناسبات والمواعد الكبرى .

وتذكر مصادر متطابقة أن فرقة “الماجوريت” التي استمرت أكثر من 43 سنة، كان ميلادها بتشجيع من الباشا محمد لعلج الذي سيصبح عاملا على طنجة، وكانت نهايتها على يد الباشا المصطفى عايدة سنة 1994 وهو العامل الحالي على إقليم جرادة، والباشا عايدة هو من حذف العديد من عادات المدينة وقتل لجنة الحفلات وعوضها بلجنة يترأسها بمكتبه أطلق عليها يومها لجنة الابتكار التي ضربت مكتسبات عديدة للمدينة في الصميم.

 وإلى جانب “الماجوريت” كانت مدينة الجديدة من أوائل المدن التي تتوفر على الكوتشي، الذي كان يربط بين ساحة الحي البرتغالي إلى “الهرية” أو قرب مقهى “الحسنية” حاليا عند مدارة سيدي يحيى، وكان ثمن الجولة 6 ريالات أقل من نصف درهم للشخص الواحد، ودخول الكوتشي إلى الجديدة كان سنة 1964 لما صادق عليه المجلس البلدي للجديدة والذي كان يترأسه الدكتور عبد الكريم الخطيب مؤسس حزب العدالة والتنمية وأول طبيب جراح في المغرب ، واستمر الحال كذلك إلى سنة 1976 حين قرر المجلس البلدي للجديدة برئاسة المرحوم الحاج محمد أرسلان إرسال الكوتشي إلى سلة ذكريات المدينة ، وإشراك 2 من الكوتشي في كريمة طاكسي صغير كان يؤمن الجولة بالمدينة بثمن 1 درهم فقط ،  ومازلنا نذكر أن “كوتشيات” الجديدة انتقلت إلى مراكش ومدن أخرى ، وعاش الجديديون بعدها على ذكريات سائقين لها نظير با العياشي وسير على الله وبا الجيلالي وبوخريص ، ومن الطرائف أنه ذات يوم توقفت الحركة بشارع محمد الخامس وحضر رجال الوقاية المدنية وبيطريون للتصدي إلى حصان هائج كان يجر عربة كوتشي ، تأكد فيما بعد أنه حصان مخمور تناول شعيرا مخلوطا بقنينات خمر من نوع “الدومي” وهو الخمر الذي قالت عنه المرحومة فاطنة بنت الحسين أن شرب الدومي عاد عمومي، ففي لحظة كانت قنينات خمر قرب الشعير تكسرت واختلطت به ولما أكله الحصان هاج وماج وعرقل السير بالشارع سالف الذكر وتم حبسه بالمصلحة البيطرية خلف العمالة بتهمة السكر العلني البين.

وكم كانت جميلة كذلك العربات المزهرة التي يتم تزيينها من طرف فنان هو العربي الأشهب  وبعض من أساتذة الفنون التشكيلية ، إذ قبل عيد الشباب بأكثر من شهرين كان ميناء الجديدة يتحول إلى ورش كبير لبناء العربات المزهرة ، التي جرت العادة أن تجرها جرارات فلاحية هي الأخرى مزينة بالورود ، وكل عربة تمثل قطاعا حكوميا أو خاصا وتحمل منتوجات أو رموز ترمز إليه فمثلا المطاحن تعرض أكياس الدقيق ومعمل سيدي بنور قوالب السكر والشمندر وقس على ذلك .

وعادة يوم عيد الشباب 9 يوليوز من كل سنة ، كانت العربات تمر أمام منصة تضم العامل والسلطات والمنتخبين والأعيان ، ويتولى شخص التعريف بها عبر مكبر صوت ، وأذكر أنني توليت هذه المهمة أكثر من مرة ، بينما كانت لجنة تتولى تنقيط العربات المزهرة لاختيار 3 من أجودها ، وكانت الكوتشيات تزين كذلك وعلى متنها فتيات جميلات بقفاطين جميلة يتولين رش الساكنة بالورود ، بينما يصدح محمود الإدريسي من مكبرات صوت يردد بصوته الجهوري عيشي عيشي يابلادي عيشي ، وزغاريد نساء تتعالى وشباب وشيب يصطفون بنظام وانتظام ليسوا بحاجة إلى حواجز حديدية ، إنه حنين فعلا إلى زمن مدينتي الجميل ولكن في نفس الوقت حنين ممتزج بالحسرة .

فرقة 'ماجوريت' والعربات المزهرة و'الكوتشي'.. نوستالجيا الزمن الجميل للجديدة - الجديدة 24

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي