مجتمع

مدرسة “المقاومة” بالجديدة ذاك الزمن الجميل

عبد الله غيتومي

قمت هذا الأسبوع بزيارة إلى مدرسة المقاومة للبنين ، هي مدرسة من جيل المدارس العمومية التي رأت النور عقب الاستقلال مباشرة ، كانت هذه المدرسة التي بنيت في حي الصفاء قرب المحطة الطرقية ، ذات حوض استقبال كبير لتلاميذ من حي الصفاء ومن درب البركاوي ومن الغزوة وسيدي موسى ومن القلعة وغيرها .
على مقاعد هذه المدرسة تتلمذ عدد كبير من التلاميذ شغلوا فيما بعد مناصب مهمة في الدولة ، وأنا أتجول في هذه المدرسة التي درست بها تتمة مرحلتي الابتدائية بين 1967 و1969 التي كنت بدأتها بمدرسة الصفاء الحسنية ،تذكرت الأمس الجميل عندما كنا أطفالا صغارا نجلس على مقاعد الدرس والتحصيل ، نتنافس على أحسن النتائج للعبور إلى الأقسام الموالية .
تذكرت أساتذة أجلاء منهم من قضى نحبه رحمهم الله ومنهم من لايزال على قيد الحياة متعهم الله بالصحة والعافية ، تذكرت منهم عبدالسلام رمزي ومهندس ومحمد الكوشطة ورقيق ومحصل والغوتي الحاتمي وعنون بناصر وزينب وعائشة الزين وسي مصطفى محمد غردي وآخرين لم تجد علي ذاكرتي بأسمائهم .
تذكرت أنهم كانوا شعلة في التدريس وكانوا أيضا صارمين لدرجة القسوة ، تذكرت الحاتمي الغوتي وهو يضربنا على أظافرنا بمسطرة حديدية ويطلب منا أن نسرح أيدينا للعصا مرددا “سرح هذيك الكوفاشة ” تذكرت أنه في سنة 1969 لفظ البحر كاشالوت كبير يزن عدة أطنان قبالة بيرو عرب وشاع في المدينة خبر خروج “هيشة البحر ” ، كنا في الاستراحة مع الساعة العاشرة صباحا ، تركنا الفصل والدراسة وهرولنا إلى حيث الهيشة ، وجدنا الناس متجمهرين وأغلبهم نساء يحملن سكاكين لأخذ قطع من الهيشة اعتقادا منهن أنها تدفع النحس وتجود بالخير والبركات .
في الحصة الزوالية وجدنا في استقبالنا عند باب المدرسة بزنقة سيدي قاسم أستاذ اللغة العربية ولم يكن إلا المحامي الحالي بناصر عنون ، يحمل في يده “كابلي ديال فران الطوموبيل ” كنت نحيفا ليس بمثل هذه البدانة ، سألني بنبرة حادة “فين مشي الصباح ” أجبته مرتجفا أستاذ “مشيت نشوف الهيشة ” نزل على ظهري النحيف بضربة “كابلي ” واستمرت أذناي تردد كلامه “كاين شي هيشة قدك”.
تجولت بمدرستي لم يتغير فيها أي شيء سوى أنني خرجت بقناعة أنها لم تعرف إصلاحات منذ كنا على طاولات فصولها الدراسية ، سمعت بساحتها رجع الصدى لحارسها المرحوم “باامحمد” بشاربه الطويل وهو ينادي على ابنه “واعبدالناصر دق الجرس ” وهو نفس الحارس الذي كان يوزع أوراق الدخول إلى المطعم المدرسي على تلاميذ معوزين وتلاميذ مجتهدين ، كانت الوجبة عبارة عن حليب “غبرة ” مقدم كمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وكومير مخلوط بالذرة وسمك مصبر وقطنيات .
اقتربت من الإدارة فلاح لي طيف مدير أنيق في هندامه اجتماعي في تعاملاته مع آباء وأولياء التلاميذ ، تذكرت هذا المدير رحمة الله عليه لم يكن سوى أرسلان التباري الذي كان يساعده آنذاك عبدالله القطيشي الذي سيصبح فيما بعد مفتشا في سلك التعليم ، وقد ساهم الإثنان في تأليف كتاب سهل على التلاميذ امتحانات الشهادة الابتدائية وكان يحمل “كتاب الفروض التطبيقية “.
تذكرت أنه بعد فترات طويلة من الدرس والتحصيل كانت المدرسة تمتعنا بأمسيات ترفيهية كثيرا ما نشطها إدريس العلام المعروف ب”با حمدون”وأيضا الثنائي “ناقوس وسليسلة” وقفت عند باب مدرستي فتذكرت “المرحومة مي خناثة” التي كانت تبيع لنا إسفنجا عليه سانيدة والخروب والبلوط وقطع من جبان ، تذكرت وما أكثر ما تذكرت ، ولكنني غادرت مدرسة المقاومة للبنين دون أن أنسى أن أحمل إلى كل الذين درسوا بهذه المدرسة ، أنها بحاجة إلى التفاتة منا نحن قدهاء التلاميذ لنعيد لها بعضا من بريق الزمن الجميل .

15940756_1867161613496701_8582772399709765650_n 16105621_1867161540163375_7599268946097219758_n 15965741_1867161513496711_6855109019900185040_n 15977564_1867161583496704_1788615549084050533_n

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي