اخبار محلية

يوم بكى الجديديون على وفاة طبيبهم المحبوب “پاوليتي”

بقلم حسن فاتح

شهدت مدينة الجديدة بتاريخ 24 مارس من سنة 1965 يوما حزينا على إثر وفاة ابنها الذي لم تنجبه، المرحوم الدكتور أنطوان پاوليتي، الجراح المعروف بمستشفى الجديدة، والذي كان يمارس مهنة الجراحة عن حب وعشق كبيرين، ومن حبه لها مارس المهنة حتى آخر رمق في حياته، حيث تعرض لنزيف دماغي وهو يمارس وظيفته اليومية.

ولد أنطوان پاوليتي بفرنسا سنة 1891، وفي الغالب ترجع أصوله الى الأراضي الإيطالية، قام بدراساته العليا في ميدان الطب بجامعة ليون الفرنسية، والتحق بالسلك العسكري بدرجة ملازم، حيث شارك في جزء مهم من الحرب العالمية، ومن خلالها سينال وسام من درجة “صليب” إضافة العديد من التشريفات، كما حصل على وسام “جوقة شرف” مع رتبة ضابط سنة 1940.

أتى السيد انطوان پاوليتي الى مدينة مزغان او الجديدة سنة 1920، ومباشرة بعد وصوله سيتسلم هذا الطبيب الشاب ادارة مصلحة الجراحة بالمستشفى المدني بالمدينة، الذي لم يتأسس الا سنتين قبل وصوله أي سنة 1918، وبمجرد ما باشر عمله وسط الجديدة حتى انتشرت شهرته في دكالة بأسرها، بل وحتى في باقي مناطق المغرب، وذلك بفضل طيبوبته وضميره المهني، حيث ستجعل هذه القيم الناذرة من الدكتور پاوليتي الطبيب الأكثر شهرة واعجابا بالمغرب، بل كان العديد من السكان أنذاك، حسب ماروته بعض الشهادات، تفضله و تأتي من آخر مناطق المملكة حتى مدينة الجديدة لطلب العلاج او الجراحة على يده.

قام پاوليتي الى جانب ممارسة مهنته كطبيب رسمي تابع للدولة الفرنسية بفتح عيادة للطب العام بزنقة الدكتور جاك بالجديدة، و مازالت أطلال عيادته قائمة لحد الان بحي الصفا.

تدين ساكنة مدينة الجديدة وأريافها، بجميع أجناسهم وديانتهم، بالفضل الكبير في العلاج والشفاء لهذا الطبيب البارع، فقد كان إخلاصه غير محدود  للسكان المسلمين الذين لا يدينون بدينه، وبفضل وفائه هذا حصل سنة 1924 على الوسام العلوي، وترقى الى رتبة قائد سنة 1951 .

هذا الطبيب الفرنسي كان يقدم العلاج والمساعدات الطبية لجرحى المقاومةالمغربية بالجديدة، الذين امتدت لهم أيادي الاستعمار بالنار وبالتعذيب، وبشهادة كثير ممن عايشوه في ذاك الوقت، بعدما كانوا يأتونه خلسة من الجنود الفرنسيين بالجرحى والمعطوبين الى عيادته.

لقد نزل خبر وفاة هذا الرجل، الذي عشق المغرب أكثر من المغاربة، ليلة 24 مارس من سنة 1965 كالصاعقة على ساكنة الجديدة بل وعلى دكالة كلها، حيث انتشرخبره كالنار في الهشيم، والذي كان بمتابة ألم فظيع وإحساس مؤلم يصعب التعبير عنه بالكلمات، كما أشارت إلى ذلك الصحافة المكتوبة في ذاك الوقت.

وخلال يوم الدفن كان الحضور مهيبا، من لدن السلطات المحلية، الاطباء، الاصدقاء، أبناء حي الصفا، وباقي سكان الجديدة، بل وحتى سكان الأرياف الذين كان يساعدهم ويعطف على فقرائهم، رغم  اختلافه معهم في الدين وفي العرق، وبسبب حبهم له تحملوا عناء السفر لالقاء النظرة الأخيرة على جثمانه الجاتم وسط ثابوته الخشبي، يرقد ببدلة زرقاء وقميص أبيض، تاركا وجهه مكشوفا للزوار بعدما أوصى مقربيه إبان حياته، بأن يفتحوا أبواب ڨيلته ليزوره كل سكان الجديدة الذين أحبهم وأحبوه كواحد من أبناء هذه المدينة المحبوبة.

وارى المرحوم أنطوان پاوليتي الثرى يوم الأربعاء 25 مارس على الساعة الرابعة بعد الزوال من سنة 1965 .

مات الطبيب پاوليتي، لكن خلف ورائه أرملة وأبناء ورثوا منه جينات الانسانية و المساعدة للمحتاجين والضعفاء، نفتقد أثر عائلته الآن، لكن الأكيد هو أن أبنائه سيتابعون خطوات أبيهم، وسيكونون أطباء ناجحين في ميدان الجراحة أو الاختصاص، وهذا ما يبدو من خلال إدخال اسم پاوليتي في محرك “غوغل” لتبرز لنا أسماء “عائلة پاوليتي” المشهورة في ميدان الطب، فهذه النتيجة ليست على ما يبدو صدفة، بل أن واقع الجينات يؤكد و قد أكد في السابق أن المهن تكون في كثير من الأحيان بالوراثة وليس بالدراسة والتكوين فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي