اخبار محلية

بولعوان…بالأمس خمر واليوم جمر

عبد الله غيتومي 

فجأة خرجت بولعوان من رحم النسيان، لتجد نفسها في قصاصات أخبار وبلاغات وزارة الداخلية، بعد أن أرادتها داعش أن تكون قاعدة خلفية ، لهدر دماء بريئة وزعزعة الاستقرار بالمغرب.

بولعوان التي اشتهرت في الماضي بصناعة خمور معتقة ذاع صيتها في أشهر المساحات التجارية بفرنسا كما في باقي أوربا ، ينطبق عليها القول بالأمس خمر واليوم جمر، بعد أن زارها رجال “البسيج” وأوقفوا ثلاثة “داعشيين” مباشرة بعد صلاة الفجر، لينقلوهم إلى مقر المكتب المركزي للأبحاث القضائية بسلا من أجل التحقيق معهم في ظروف وملابسات الانتماء إلى خلية “أبوجويرية “.

 شيء من التاريخ

يرتبط اسم بولعوان بالقصبة التاريخية الشهيرة التي بناها السلطان العلوي مولاي اسماعيل فوق ربوة عالية سنة 1710 ميلادية في إطار إستراتيجية بناء القصبات لتدعيم سلطة المخزن المركزي والتصدي لنعرات السيبة التي يمكن أن تنشأ عن بعد العاصمة مكناس. واقع القصبة اليوم يبعث على الشفقة، فقد تهاوت أسوارها ونال منها الزمن الشيء الكثير دون أن تحظى من وزارات الثقافة المتعاقبة بأدنى التفاتة لترميم ما تبقى منها، حتى لا تصير حدثا بعد عين . ذكر بولعوان كان مرادفا لخمورها التي أنتجتها شركة فرنسية مطلع الحماية، والتي كانت تصنع من عنب دكالة الجيد. استمر الوضع هكذا إلى 1981 تاريخ إغلاق معصرة النبيذ الأحمر، لتتراجع زراعة العنب وتحل محلها زراعات شمندرية على مجال سقوي مترام، كما لو أن بولعوان تريد مصالحة الذات والقطع مع ماضي الخمر.

 قطعنا 70 كيلومترا في طريق مهترئة فاتحة فمها لابتلاع المزيد من الأرواح ، لنصل من الجديدة إلى بولعوان الجماعة القروية التي خرجت من رحم جماعة متوح، إثر التقطيع الإداري لسنة 1992  ضمن مجال ترابي واسع لبلاد أولاد افرج . بولعوان في أقصى إقليم الجديدة هي أقرب إلى سطات منها إلى الجديدة، ماأغرى وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري لجرها إلى نفوذ الشاوية قبل أن يتراجع تحت ضغط برلمانيين من دكالة، حكم عليها الذين قاموا بالتقسيم الإقليمي لسنة 2009 بالتهميش، لأن وضعها الإداري أقرب إلى إقليم سيدي بنور. حول بولعوان تمر معابر ومسالك وسط نطاق غابوي ممتد. ظلت المسالك المرغوبة للعديد من “الحرايفية” الذين يعبرون بكميات كبيرة من الكيف والشيرا على بن معاشو نحو خميس الزمامرة وكل الجنوب المغربي، ولا تمر أيام دون أن تطالعنا أخبار عن عصابات نشيطة ببولعوان والجماعات المجاورة له.

دوار الشركة… قلب الإرهاب

كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا عندما دلفنا إلى داخل دوار الشركة، تجمع سكاني بكثافة عالية تزيد عن 6000 نسمة، يوحي العدد الكبير للأطفال الذين يلعبون بأزقته الضيقة، أنه دوار تمرد على السياسة الإنجابية للدولة التي تسعى جاهدة للتقليص من الولادات . سكن عشوائي وبرك مائية وأوحال وروث بهائم، مؤشرات لهشاشة الوضع، تفيد بأن رياح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لم تمر من هنا، كما أن الواقع يدين بشدة كل المجالس التي دبرت الشأن المحلي بجماعة بولعوان، ولا يظهر أنها أسعفت الدوار خاصة وكل تراب الجماعة ببنيات تحتية، تجعل السكان يشعرون بنوع من الكرامة، وتحول بينها وبين الاستعداد للارتماء في أحضان الفكر الظلامي وفي أقرب فرصة متاحة .

رواية الأب والزوجة

الموقوفون يلعبون لوفاق بولعوان

أضحى سكان الدوار يتوجسون من أي سيارة غريبة منذ أن حل “البسيج” بين ظهرانيهم مرتين في أقل من أسبوعين. دلنا شاب على منزل زوزو عبداللطيف الأخ الأكبر لزوز و مراد الموقوف بمنزل حي الصفاء بالجديدة. قبل أن نصل أسر لنا شيخ عليه وقار أن دوار الشركة نما فيه الفكر الديني بشكل رهيب، قبل أن يعلل ذلك بأن ذلك قد يفسر بأنه  “ردة على ماضي الدوار المرتبط بإنتاج الخمور” .

قال لنا الشيخ ” هاذو لي شدهم البوليس راه كانوا كيلعبو مع الفرقة ديال الكرة” .خبر أكده لنا أحد الشباب بأنهم من لاعبي فريق وفاق بولعوان ، وأن زوزو مراد كان من أمهر اللاعبين .

ابني مدمن “جوانات” وكيف

لما توقفنا بالسيارة لاذت طفلة صغيرة بالفرار وهي تبكي، لأنها شاهدت تفاصيل إلقاء القبض على والدها وتصفيده، أطل علينا الحاج الطيبي والد الموقوفين. استفسرناه عن الأمر فأكد لنا أن العائلة لم تصدق لحد الآن ما وقع، قبل أن يستطرد “ابني الكبير عبد اللطيف (25 سنة) الأب لطفلتين مروة (4 سنوات) وشيماء (3 أشهر)، لا يغادر الدوار إلا لماما، وليست له أي علاقة بأي تنظيم ديني، بل الأكثر من هذا لم يسبق له أن صلى وأنه مدمن على الجوانات والكيف”، قبل أن تدخل أخته فتيحة لتؤكد أن أخويها لم يتجاوزا في تعليمهما مستوى الخامس ابتدائي، وأن عبداللطيف ” يا الله شرى تلفون غير هاذي 20 يوم “.

يواصل الحاج الطيبي “ابني الأكبر عبد اللطيف كان يساعدني في الأعمال الفلاحية، أما مراد الأصغر منه والذي ألقي عليه القبض بمنزل حي الصفاء وبحوزته أسلحة، فكان يتصرف بشكل عاد، لكن سيرته تغيرت منذ أزيد من شهرين، لقد داوم على هجراننا بدعوى أنه يشتغل بالجديدة ، كان يأتي يوم السبت للعب مع فريق بولعوان ويمكث إلى يوم الاثنين ثم يعود.

يتذكر الوالد أن مراد سبق له أن أمضى بالسجن 5 أشهر في قضية اغتصاب فتاة بالدوار قبل أن يعقد عليها القران ثم انفصلا في ما بعد، وأنه آخر مرة زار الدوار قبل شهر عندما باع بقرة في سوق العونات بمبلغ 6350 درهما وغادر نحو الجديدة، قبل أن يختم ” راهم غسلوا ليه الدماغ” .

سألنا إلهام زوجة عبد اللطيف عن سلوك زوجها خلال المدة الأخيرة ، فأكدت أنه لم يظهر عليه أي تغيير ولا آثار نعمة ، هو لا يغادر الدوار وليست لديه أي علاقات.

ملخص زيارة الفجر

قال الحاج الطيبي “في يوم الجمعة، وبالضبط مع أذان الفجر سمعنا طرقات على باب المنزل، فتح أحد أبنائي فإذا برجال شرطة مقنعين وعددهم يزيد عن العشرة، يدلفون إلى الداخل، كان أول سؤال من أحدهم هل لديك أسلحة وأين هي غرفة عبد اللطيف، أجابهم لدي بندقية صيد مرخصة و دلهم على الغرفة فاقتحموها بسرعة البرق وألقوا القبض عليه نائما وصفدوه قبل أن يسألهم ” واش درت شي حاجة ” فجاءه الجواب ” الله أعلم ” ، وواصل رجال المكتب المركزي تفتيش بيت في سطح المنزل ، ثم طلبوا منا بعض الملابس الإضافية لعبد اللطيف وأركبوه سيارة مسيجة وانصرفوا، إلى أن سمعنا في الأخبار أنه وأخاه مراد من عناصر خلية إرهابية خطيرة كانت تخطط لإراقة دماء وزعزعة استقرار البلاد” .

يضرب الحاج الطيبي يدا بيد ، ويردد “أبنائي كانوا بخير وعلى خير  ماخاصهم حتى شي حاجة دارو بيهم العديان وغسلوا ليهم الدماغ يا ربي تلطف بنا” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي