مجتمع

قصة اليهودي “جوجو” الذي أحب الجديدة … والدفاع حتى النخاع

بقلم حسن فاتح

كثيرة هي الأسر اليهودية التي نقشت أسمائها بمدينة “مزغان”، وساهمت في كتابة تاريخ المدينة من ذهب، حيث مازالت أطلالها راسية في الأحياء حتى الآن، أسماء عائلاتهم مدونة على الكتب والجدران، ورسوماتهم منحوثة في ذاكرة الدكاليين والجديديين، نذكر من هذه العائلات أسماء كالرويمي، أبيرجيل، بنسيمون، أبيتبول، برق الليل، أسولين، أسيدو، بنشرتيت، أقوقا، حزيزة، بنسيتي، ألباز، بنوعيش، عوباديا، بنعطار، أزولاي، الكوهن، ويزمان، تويزر، أتياس، بيلو، ايلالوف، … .

famille jojo et karim didi memoire doukkala 2

 

كانت حياة هذه العائلات اليهودية تتميز بالتضامن والتآلف فيما بينها، في كثير من المناسبات العائلية او الدينية، أمسيات يوم السبت، عيد شباط، أو الراحة المقدسة في الديانة اليهودية، هو أهم يوم من أيام الاسبوع عند اليهود، فبعد غروب الشمس، وبعد أن يعود الرجال من الصلاة، تجتمع العائلات المقربة فيما بينها أمام بيوتهم على وجبات احتفالية، حيث تبدأ الوجبة بتقديس الخمر الحلال “كاشير”، مرورا بطلب البركة على خبز “الأزيم”، مع الدعاء والتسبيح، ثم تستمر الوجبات بأكلات شهية ك”السخينة”، “الدفينا”، “الرقاق”، “الترفاس” و”سمك المشط” المنسم بالثوم والفلفل، روائح هذه الأكلات الشهية تسافر في  كل أرجاء الحي، حتى تكاد تجدب العائلات المجاورة المسلمة، وقد تكون مدعوة الى تذوق أكلاتهم المقدسة.

jojo abitbol memoire doukkala 4

من بين أحياء مدينة الجديدة التي قطنتها الكثير من العائلات اليهودية، سكان “مزغان” الأقدمون، نذكر حي الرجيلة، القصر الاحمر، الملاح، سيدي الضاوي، درب الحجار، درب الدكاكة، درب بن دريس، القلعة، درب الطويل، والحي البرتغالي،… إضافة الى بعض أحياء الفيلات كالبلاطو الذي قطنت فيها بعض العائلات الميسورة.

بطلة هذا المقال هي أسرة “جوزيف أبيتبول” أو أسرة  “جوجو” كما يحلو لكافة الجديديين تسميتها، فهي أسرة مسفيوية الأصل، نزحت نحو مدينة الجديدة منذ زمن مبكر، بحثا عن ظروف عمل مناسبة، لتستقر هذه الأسرة في الأخير بزقاق “فوبان” المتفرع عن زنقة “كاربوزان”.

اتسمت حياة هذه الأسرة اليهودية مع العائلات الجديدية المسلمة او المسيحية بالجيرة الحسنة، تخللتها زيارات وتبادل الهدايا في الأعياد الدينية، مع التآزر في الأفراح وفي الأقراح، حيث تركت معاملاتهم الطيبة أثرا عميقا في العائلات التي مازالت تقطن هذا الحي القريب من شاطئ المدينة.

اشتغل رب الأسرة “جوجو” مسيرا بشركة “أبيرجيل” لاستيراد وتصدير الحبوب،  أحب هذا المواطن اليهودي الجديدي كرة القدم، وأصبح يموت عشقا في الدفاع حتى النخاع، ولا يحلو للجمهور الدكالي التفرج من مدرجات ملعب “أرشام بو” دون وجود صديقهم “جوجو” معهم، بل الاكثر من هذا، تكتمل المتعة حين يسجل فريق الدفاع الحسني الجديدي هدفا، فيقفز قفزاته الفولكلورية وهو يصيح “وا الدفاع … وا الدفاع” لترد عليه الجماهير “آلي جوجو ..آلي جوجو”، هذا الحب الخرافي لفريق الدفاع أورثه هذا اليهودي الوفي لأبنائه وخاصة منهم الابن الاكبر “جاكوب”، توفي “جوجو” سنة 2000 بمدينة الجديدة، ودفن بالمقبرة اليهودية بتراب المدينة التي أحبها.

الزوجة “ريكا أبي حيصيرة”، هي الأم الحنون للأسرة الكبيرة، ولدت بمدينة آسفي، تنتمي لعائلة “أبي حصيرة” المشهورة، اشتغلت بالوكالة البنكية للبنك المغربي للتجارة الخارجية بالجديدة، وكرست هذه الأم حياتها لزوجها “جوجو” ولأبنائها  ولإخوانها الثمانية هم بروسبير، دافيد، بوب، مانو، الياس، جوزي، صول وعيدا، توفيت الأم “ريكا” رحمها الله صباح يوم الثلاثاء 1 مارس 2011، عن سن 75 سنة بإحدى مصحات مدينة الدارالبيضاء، بعدما تعرضت لحادث بمنزلها، نقلتعلى وجه السرعة الى مصحة الضمان الاجتماعي بالجديدة، غير أن الاستعجالات الضرورية لم تقدم لها بالشكل المطلوب، فتسبب لها ذلك في مضاعفات أثر كثيرا على صحتها.

من أطفالها الثلاثة، تعد الابنة “ايليان” هي البكر في أسرة “جوجو”، لها من الجمال اليهودي ما يجلب العقل، درست بمدرسة الجالية الفرنسية “شاركو”، ثم حصلت على الباكالوريا بثانوية “ليوطي” بالداربيضاء لترحل الى فرنسا من أجل اتمام دراساتها، افتقدنا أثر هذه الجديدية اليهودية، لكن تشير الأخبار بانها أصبحت إطارا مهما بفرنسا، تزوجت وأعالت أسرتها، وقد يصل عمرها الآن 52 سنة.

ثم هناك الابن الاكبر “جاكوب” هو الطفل المتمرد في الأسرة، سنه الحالي قد يصل 48 سنة، لم ينجح في دراسته بسبب مرضه النفسي، شرب حب الدفاع الحسني الجديدي من أبيه “جوجو” الى حد الهوس، لسانه لا يفارق الحديث عن أخبار كرة القدم، كما أن يده لا تترك مذياعا صغيرا يتابع كل صغيرة وكبيرة عن فريقه المحبوب، وعند كل لقاء بصديقه وابن زقاقه “كريم ديدي” يسأله عن المباراة المقبلة ويحدثه عن الانتصار الاكيد للدفاع، خاتما قوله “عاش الدفاع … عاش الدفاع “، لكن الإصابة التي ألمت به في رجله بسبب تدافع الجماهير بعد نهاية إحدى المباريات بملعب العبدي، جعلته ينفر من الملعب ويكتفي فقط بتشجيع فريق الدفاع من بعيد.

اما أخوه “جوليان” فهو من مواليد 1970، تابع دراسته هو كذلك بمدرسة شاركو، قبل أن يلتحق بفرنسا وهو ابن 18 سنة، ليتخصص كتقني في إنارة المهرجانات، لكن حين قرر العودة الى المغرب، ركب القطار من باريس حاملا معه كل ادخاراته السنوية من اموال وهدايا لأسرته، لكن تشاء الأقدار أن يتعرض باسبانيا لعملية سطو واعتداء عنيف على يد عصابة مجرمة، حيث سلبت منه أمواله وحاجياته وتركته مدرجا في الدماء فاقدا وعيه، وبالمستشفى الاسباني تكلفت به الجالية اليهودية حتى شفي من الجراح فأعادته الى أسرته بمدينة الجديدة، لكن “جوليان” الذي رحل الى فرنسا ليس هو الذي عاد الى المغرب، فلقد أصيب بصدمة نفسية أفقدته صوابه، فأعلن الإضراب عن النظافة واللباس مدى الحياة، وقاطع الحديث مع الناس إلا صديقه وابن حيه “كريم ديدي”.

توفي الأب “جوجو” وتوفيت الام “ريكا” وبقي الابنان “جاكوب” و”جوليان” المريضان نفسيا ببيتهما الكائن بزنقة فوبان بالجديدة، حاولت اختمهما “إيليان” ادخالهما الى فرنسا لكن دون جدوى، لتقوم الجالية اليهودية بالمغرب برعايتهما في إحدى الجمعيات اليهودية بالدارالبيضاء منذ سنة 2011، قمنا ببعض التحريات الخجولة لملاقاتهما لكن دون جدوى، ربما التحقا بأختهما بفرنسا أو أرسلتهما الجالية اليهودية إلى إسرائيل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: !! المحتوى محمي